دبي القابضة بدأت بقرض قيمته 200 مليون دولار وتتجاوز قيمة أصولها اليوم 130 مليار درهم
“لم يكن لدينا ميزانية.. وكان علينا أن نبني شركة ضخمة ونحن لا نملك رأس مال.. كانت مخاطرة كبيرة.. إما أن يسعفنا الحظ وننجح فيها أو نفشل من المحاولة الأولى.. لكن حتى خيار الفشل لم يكن متاحاً لدينا.. أذكر أننا طلبنا قرضاً حكومياً لكنه لم يكن متاحاً. من صحراء خالية من العمران لا تملك مقومات تنافسية.. كان على هذه الشركة أن تجد طريقها إلى النور .. فمن ذا الذي سيوافق على إقراضنا؟
قمنا بإعداد التقارير والدراسات وخاطبنا عدة بنوك.. كنّا حينها نفاوض على منجزات ووعود بعيدة.. ولم نكن نملك سوى أحلام تحركها رؤية سديدة.. وكان لهذه القصة أن تكتمل.. عندما وافق بنك واحد فقط وهو HSBC على إقراضنا ما قيمته 200 مليون دولار” بهذه الكلمات وصف محمد عبد الله القرقاوي رئيس شركة دبي القابضة سابقاً قصة انطلاقة الشركة المليارية التي لم تكن ضخمة مثل ما هي عليه الآن بل كانت بسيطة ومدفوعة بــ “الإرادة”.. نعم السر في “الإرادة” لأنها إن وجدت فهي كفيلة أن تصنع المعجزات.. دعونا نرجع إلى الوراء 20 عاماً عندما كانت دبي برؤية ثاقبة للقائد لصاحب السمو محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله” تشهد مرحلة فاصلة في تاريخها.. وتؤسس لعصر جديد من الريادة.. عبر مشاريع نوعية وجريئة.. لم يجرؤ على التفكير بها أو تجربتها قائد غيره في تلك الأثناء.
قصة تأسيس دبي القابضة
في مؤتمر صحفي في أكتوبر 1999، أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي آنذاك، عن إطلاق مشروع مدينة دبي للإنترنت.. وكان مشروعاً غير اعتيادي فاجأ به سموه كثير من المستشارين والخبراء والقادة والدول المجاورة.. وبعد عام في فبراير 2000.. ما لبث سموه أن أعلن عن مشروع جديد وهو منطقة دبي الحرة للتكنولوجيا والتجارة الإلكترونية والإعلام.. والسؤال.. لماذا كانت دبي تطلق مشاريع بهذه الضخامة وهل هي مستعدة لرعايتها وتنميتها؟
محمد بن راشد يتفقد مقر مدينة دبي للإنترنت عام 2000
لا أذيع سراً إن قلت إن هذه المشاريع كانت عبارة عن مخاطرة.. ولكنها أيضا لم تُطلق عبثاً أو للتجربة وإنما كانت مدروسة ومحسوبة بعوائد لسنوات طويلة.. وفي تلك الأثناء كان الشيخ محمد يخطط لمشروع أكبر كمظلة لجميع المشاريع القائمة والقادمة.. لأنه كان ينظر للاقتصاد بعيون المستقبل الذي ستقوده المعلومات والتكنولوجيا والأفكار..
وتنفيذاً لتوجيهات سموه، وفي فبراير من عام 2000، أعلن معالي محمد عبدالله القرقاوي، مدير منطقة دبي الحرة للتكنولوجيا والتجارة الإلكترونية والإعلام آنذاك، في مؤتمر “أوراكل بالشرق الأوسط “، عن تأسيس شركة قابضة لتتولى مسؤولية إدارة منطقة دبي الحرة للتكنولوجيا والتجارة الالكترونية والإعلام والتي تضم عدداً من الشركات العاملة بقطاع تكنولوجيا المعلومات بمشاركة القطاع الخاص.
وقال حينها القرقاوي إن أحد أهم أهداف المشروع هو تطوير استراتيجية فاعلة لتبني الشباب المبدع وأفكارهم الجديدة في مجال التكنولوجيا المتطورة وإعطائهم الفرصة لإنجاح هذه الأفكار بما يعود بالخير عليهم وعلى منطقتنا. ولدى إعلان تأسيس الشركة، كان العمل على المرحلة الأولى من المشروع قد بدأ فعلاً، وتوالت الخطط والاستراتيجيات لتنفيذ المراحل الأخرى إلى أن أطلق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم شركة دبي القابضة عام 2004 بهدف إدارة كبريات المشاريع التي تأسست منذ 1999. وكانت الأهداف بعيدة المدى من تأسيس الشركة تحويل دبي إلى مركز عالمي للأعمال ووجهة عالمية للسياحة، وخلق اقتصاد متنوع ومستدام ومستقبلي عبر مشاريع تستهدف قطاعات جديدة غير نفطية، وعين سموه معالي محمد القرقاوي رئيساً للشركة.
وكانت المشروعات التي تنضوي تحت جناح الشركة الجديدة منذ إعلان تأسيسها في 2004: مدينة دبي للإنترنت، ومدينة دبي للإعلام، ومدينة دبي الطبية، ومشروع جميرا بيتش ريزيدانس العقاري، ومشروع دبي لاند الترفيهي، ومدينة دبي للخدمات الإنسانية، وقرية دبي للمعرفة، وشبكة الإذاعة العربية «”أيه آر إن»، وشركة «بي اي هوستينج» لخدمات الاستضافة الإلكترونية، ومنطقة دبي للتعهيد، وشركة «إمباور» للطاقة وشركة «سماكوم» للتكنولوجيا وعدة شركات أخرى تعتبر من الشركات شبه الحكومية.
ومن تصريحات سموه اللافتة عن دبي القابضة آنذاك وكأنه يرى الحضور والأداء التشغيلي القوي للشركة في عالم الأعمال اليوم، قوله بكل ثقة إن دبي القابضة ستصبح مؤسسة عالمية المستوى سواء من حيث ضخامة الحجم الإجمالي لعملياتها، أو من حيث تنوع القطاعات التي تنشط بها.
“بدأت الشركة المليارية بقرض ومكاتب مستأجرة وبأثاث مستعمل.. كانت البدايات مليئة بالتحدي مع قطعة أرض بعيدة عن عمران دبي.. كنا نعمل لساعات طويلة ونعقد اجتماعات مطولة مع شركاء وخبراء ومستشارين ومهندسين وغيرهم.. راحتنا كانت بمشاهدتنا لرؤية سموه تتحقق أمامنا كل يوم.. وسعادتنا كانت في توسع أعمال الشركة وتسلمها مشاريع جديدة شكلت أيقونات حضارية في إمارة دبي”، يتابع القرقاوي.
لم تتأسس دبي القابضة لتكون شركة اعتيادية تضاف إلى قائمة الشركات التي تعمل وفق نماذج أعمال تقليدية لتخرج من السوق بعد فترة قصيرة، ولكنها عمدت إلى ابتكار نماذج أعمال جديدة ودخول أنشطة وقطاعات متنوعة وإطلاق مبادرات نوعية في مختلف القطاعات، بالاستعانة بمجموعة الخبرات والقدرات المتراكمة في وحداتها المختلفة، وذلك إلى جانب إدارتها وتشغيلها للمشاريع القائمة آنذاك.
محمد بن راشد قائد استباقي يسابق الزمن في إنجازات دبي
لقد كانت ولازالت دبي القابضة تخطط بمنهجية استباقية.. وتفكر من منظور ريادة الأعمال.. وهنا يقول القرقاوي: وجهنا الشيخ محمد من البداية ليس بالعمل كموظفين حكوميين ولكن كرواد أعمال وأرادها أن تدار بروح رواد الأعمال.. روح المخاطرة والترقب والإبداع المستمر. وقال لنا سموه كفريق عمل: لا أريده مشروعاً حكومياً بل تجارياً.. ولا أريده عبر ميزانية الحكومة ولكن عبر قرض تجاري. وقال سموه عن مشروع دبي القابضة: لا أريده مشروعاً تقليدياً بل مشروعاً استثمارياً من المنطقة إلى المنطقة.
وتزامن تشكيل دبي القابضة مع انتقال الاقتصاد المحلي إلى مرحلة أكثر تطوراً ونضجاً، وهو ما يجسده خروج الدولة من النطاق الضيق للمنافسة الإقليمية إلى النطاق العالمي، وكانت الشركة بمثابة بوابتنا لاقتصاد تنافسي يراهن على الابتكار وثورة المستقبل.
محمد بن راشد يطلّع على أحد مشاريع دبي القابضة
وبالفعل، تولت شركة دبي القابضة على مدار السنوات الماضية إطلاق وتنفيذ مشاريع عملاقة في عدة قطاعات وأشرفت على التوجهات الاستراتيجية لنخبة من الشركات الكبرى التي تنشط في قطاعات مختلفة تشمل الاستثمارات والخدمات المالية، والرعاية الصحية، والتقنيات الحيوية، والسياحة، والإعلام، والتكنولوجيا، والتطوير العقاري، والصناعة، والطاقة.
منجزات فوق العادة
منذ إنشائها، ساهمت دبي القابضة في تحقيق جزء من رؤية الشيخ محمد بن راشد في تغيير طبيعة المشاريع ووجه الأعمال، حيث رسخت أسس اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار وأضافت قطاعات جديدة ومجمعات للأعمال، وأضحت مشاريع الشركة اليوم جزءاً من نسيج الحياة والاقتصاد لتثبت صحة الاستراتيجية التي قامت عليها والتي ساهمت بشكل فاعل في تنويع الاقتصاد الوطني. كما تمكنت من تأسيس مجمعات للإعلام والمحتوى والتقنيات المتقدمة والتعليم والمعرفة والتصميم والأبحاث المتقدمة فضلاً عن تأسيسها معالم عقارية في دبي وعلامة رائدة في الضيافة عالمياً. وساهمت هذه المجمعات في استقطاب خبراء من مختلف التخصصات للعمل والإقامة في دبي، وهو ما جعل الإمارة بؤرة للعقول للمواهب، معززاً حركة الاقتصاد فيها.
محمد بن راشد ومكتوم بن محمد ومحمد القرقاوي أثناء توجههم لتفقد أحد مشاريع دبي القابضة
وتطورت المشروعات في محفظة دبي القابضة، التي تتمتع بحضور قوي في 12 قطاعاً، لتشكّل مجموعة من الشركات العالمية، منها: مجموعة جميرا، ودبي للعقارات، ومجموعة “تيكوم” التي يندرج تحت لوائها 10 مجمعات اقتصادية متخصصة ، ودبي لإدارة الأصول، ودبي للتجزئة، والمجموعة الإعلامية العربية AMG .
وتمتد اليوم أعمال المجموعة في 21 دولة يديرها فريق عمل مكون من 22 ألف موظف يعملون في مختلف القطاعات” وتصل أصول الشركة اليوم أكثر من 130مليار درهم في مختلف القطاعات .”
ما السر وراء كل هذا الإنجاز، يقول محمد القرقاوي الذي أعلن في 2017 عن انتهاء مهمته كرئيس للشركة للتفرغ الكلي للعمل الحكومي:
إن الثقة التي أولاها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم له ولفرق العمل في دبي القابضة منذ تأسيسها كانت العامل الرئيسي في نجاح مسيرتها، وبأن الرؤية التي رسمها سموه لفريق العمل غيرت الكثير من طبيعة المشاريع الاقتصادية في دبي والإمارات.
بفضل جهود فريق العمل ورؤية ومتابعة قائد يعشق التنمية، انتقلت دبي من مدينة تمتلك محطة تلفزيونية واحدة لمركز إعلامي دولي استقطب أكثر من 2000 مؤسسة إعلامية و33 ألف متخصص في المجال الإعلامي يعملون ويعيشون وينتجون ويبدعون من مدينة دبي للإعلام. منجزات دبي الإعلامية جعلتها تظفر بلقب دبي عاصمة الإعلام العربي في عامي 2020 و2021 وأصبحت المدينة عاصمة للمحتوى العربي واستطاعت إضافة قطاعات جديدة للاقتصاد الوطني.
مدينة دبي للإعلام تضم كبريات المؤسسات الإعلامية
أما مدينة دبي للإنترنت، فتضم أكثر من 1600 شركة تكنولوجية و32 ألف متخصص في التكنولوجيا فيما يضم المجمع العلمي 3800 متخصص في مجال التقنية الحيوية والصناعات الدوائية. وبالنسبة لقرية المعرفة ومدينة دبي الأكاديمية، فتضم أكثر من 25 ألف طالب و400 برنامج أكاديمي. وفي قطاع الضيافة، تمتلك مجموعة جميرا أكثر من 20 وجهة فندقية وتحمل اسما إماراتياً عالمياً في هذا القطاع بمنجزات عمرانية مثل الخليج التجاري الذي أصبح الشريان الجديد للأعمال في دبي، وفي القطاع العقاري ” مجموعة دبي للعقارات “، الشركة الرائدة في مجال تطوير وإدارة المشاريع العقارية المتكاملة في دبي والتي تدعم النهضة العمرانية طويلة الأمد في الإمارة؛ و” المجموعة العربية للإعلام “ التي تتولى تطبيق خطة استراتيجية ترمي إلى تطوير وجهات جديدة للترفيه العائلي وتعزيز نمو قطاعات الإعلام الرقمي.
محمد القرقاوي يطلع على مشاريع دبي للعقارات إحدى شركات دبي القابضة
وفي 2017، أعلنت دبي القابضة عن إطلاق شركة دبي القابضة لاستثمارات المستقبل DHx، لدعم نمو وتطوير المشاريع الريادية المبتكرة في منطلقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخارجها، على أن تستفيد DHx من شبكات أعمال وأصول دبي القابضة التي تتمتع بمكانة استراتيجية مرموقة إقليمياً، من أجل تمكين المشاريع الرائدة الجديدة من الوصول إلى التمويل المناسب واكتساب الخبرة المطلوبة في مجالات نشاطها، وبالتالي توسيع نطاق عملياتها لتنمو وتتطور إلى شركات كبيرة وكيانات عالمية لها وزنها.
محمد بن راشد يتفقد مشروع تيراس برج العرب عام 2016
شراكات عالمية مع دبي القابضة
وانطلاقاً من النجاح الكبير الذي حققته مشاريع شركة دبي القابضة، فقد لفتت أنظار المنطقة إليها للاستفادة من خبراتها في مجال تطوير المشاريع الاقتصادية والعقارية. وفي إطار رؤية الشركة لبناء شبكة عالمية من المدن الذكية المستدامة على غرار مدينة دبي للإنترنت ومدينة دبي للإعلام، نفذت دبي القابضة عبر شركة “سمارت سيتي” التابعة لها بالتعاون مع حكومة مالطا في 2007 مشروع المدينة الذكية “سمارت سيتي مالطا”.
محمد القرقاوي وأحمد بن بيات خلال تدشين دبي القابضة مشروع المدينة الذكية في ولاية كيرلا
إطلاق سمارت سيتي كوريا بحضور القرقاوي ووفد إماراتي رفيع المستوى
وفي 2016، دشنت دبي القابضة بالتعاون مع حكومات دول كوريا الجنوبية والهند مشاريع المدن الذكية وهي “سمارت سيتي كوريا” و”سمارت سيتي كوتشي” والتي تنسجم مع توجهات الشركة في إنشاء شبكة عالمية من مجمعات الأعمال المبتكرة وحاضنات للعلوم والتكنولوجيا والاقتصاد المعرفي في مناطق عدة حول العالم.
صناعة التغيير الإيجابي
ولأننا نقف اليوم على مفترق جديد سريع التغيير ومن صناعات تقاس التطورات فيها بالأيام وليس بالسنوات.. كان لابد من النظر للمرحلة المقبلة.. فبعد عدة سنوات من إطلاق الشركة، يقول القرقاوي: اجتمعت مع الشيخ محمد بن راشد وأخبرته بأن دبي القابضة قد حققت أهدافها ورسخت مكانة الإمارات إقليميا وعالمياً، فما المرحلة القادمة، وأين تريدون أن تصلوا بها، فأجابني سموه: المرحلة القادمة هي صناعة التغيير والمنافسة في هذه القطاعات التي تديرها الشركة. مرحلة ورؤية جديدة تقوم على الابتكار وشق مسارات جديدة وتطوير ابتكارات فريدة نصدرها لغيرنا لأن القيمة الحقيقة هي الأفكار وتطبيقاتها.. نريد دبي عاصمة للابتكار.. ومحطة عالمية لصناعة التغيير الإيجابي في هذه القطاعات.
محمد بن راشد يطلع على مخطط مشروع “مراسي الخليج التجاري” لدبي القابضة
كانت دبي القابضة مخاطرة، ولكنها وضعت دبي على خارطة الأعمال الاقتصادية.. نعم كانت مخاطرة، ولكنها حولت دبي إلى نموذج عالمي تقلده الأمم والشعوب، نعم كانت دبي القابضة مخاطرة ولكنها مع مخاطرات سموه الأخرى غيرت وجه دبي ووجه المشاريع الاقتصادية وجعلت أكثر من نصف الشباب العربي ينظرون لدولة الإمارات على أنها دولة لتحقيق الأحلام والفرص..
عندما تكون الفكرة والرؤية هي الأهم، فان المخاطرات تصبح عبارة عن مشاريع اقتصادية يفوق نجاحها التصور.. نعم لقد أصبحت دولة الإمارات أرض الأحلام الواعدة، ومصدر الفرص الحاضنة للأحلام والطموحات، والنموذج الحقيقي الذي يحتذى به.
محمد بن راشد صانع التحولات والإنجازات
إضاءات من قصة الشركة..
دبي تلهمنا ..
-العمل بعقلية رواد الأعمال وكسر الروتين
– مصلحة الوطن هي الأسمى.. إذا أرت أن تبدع، فكر بحجم الوطن
– الحياة مخاطرة، والنجاح حليف الشجعان
النجاح يأتي من..
الإرادة، الإدارة، الاجتهاد والعمل الدؤوب