دولة الإمارات.. باع طويل في استشراف المستقبل لتحسين حياة الشعوب
ممسكاً بعصا من الخيزران.. كان زايد على الرمل يدون.. يدون مستقبلاً لم يكن ليتخيله أحد .. ويصمم بلاداً لم يكن ليعرف عنها أحد لولا تلك الرؤية الثاقبة نحو المستقبل.. وأبلغ ما يمكن أن يقال أنه كان “يرى”.. كان يدون ما يجول بخاطره كما يروي أحد المستشارين الذين رافقوه ويدعى “جون”، ليس بالقلم ولكن بعود من الخيزران.. ترافقه أينما حل وارتحل.. ويخط بها على الرمل المشاريع والحدائق والمستشفيات والواحات الخضراء والتي ستأخذ الإمارات في ظرف فترة قصيرة جداً إلى حاضر لا يشبه الماضي.. ومستقبل أقرب لما يكون للخيال فقط لأنه كان “يرى”..
استشراف المستقبل رافق رحلة البداية
تبلورت أولى خطوات دولة الإمارات نحو المستقبل بإعلان قيام الاتحاد في عام 1971 بجهود حثيثة قام بها المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وحكام الإمارات لتدخل الإمارات حقبة جديدة من التأسيس والجودة والنماء والإزدهار تم خلالها بناء المؤسسات وإعداد القيادات وإطلاق المشاريع والاستراتيجيات للعبور إلى المستقبل.
لكن قصة استشراف وتصميم المستقبل بدأت قبل قيام الاتحاد.. فهل كان لأحد أن يتخيل أن مطار دبي الذي تأسس بقرار جريء من الشيخ راشد بن سعيد في 1960 وكانت مدارجه الخرسانية تتوسط الرمال سيصبح بعد خمسين عاماً المطار الأكثر ازدحاماً عالمياً.. هذه فقط كانت الانطلاقة وتوالت المشاريع التي كانت بداياتها بسيطة لتتحول إلى مشاريع عملاقة منها تأسيس خور دبي في 1961 وتأسيس مركز دبي التجاري في 1979 وتأسيس ميناء جبل علي، أكبر ميناء في العالم من صنع الإنسان، وتأسيس شركة طيران الإمارات في 1985، الناقلة الجوية الأكبر عالمياً. إنها قصة من ضرب الخيال.. ولو لم تكن دولة الإمارات.. لما كان لهذه القصة أن تتحقق.
جزء من هذه القصة كان قد بدأ عندما سطع بريق من الأمل مدفوع بالطموح في عيون صانع المستحيل في عام 1959 عندما رافق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم والده الشيخ راشد بن سعيد باني نهضة دبي الحديثة في رحلته إلى لندن، وقال عنها: “كنت في العاشرة مع والدي في لندن عام 1959 عندما أصر أن يكون في قمرة القيادة لأحد قطاراتها.. وبعد خمسين عاماً في 2009 أصبح واقعاً.. لا يوجد في الحياة مستحيل إذا استطعت أن تتخيله.”
الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم في مترو لندن عام 1959
استشراف المستقبل .. نموذج ملهم
لقد أصبحت صناعة المستقبل إرثاً ونهجاً راسخاً لدى قيادة دولة الإمارات.. وها هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يصبح حاكماً لدبي ونائباً لرئيس الدولة ورئيساً لمجلس الوزراء في عام 2006 ليبدأ عصر جديد وعهد مستمر في الإدارة الحكومية وصناعة وتصميم المستقبل لتصبح دولة الإمارات في غضون سنوات معدودة نموذجاً ملهماً للمنطقة والعالم.
وبين الماضي والحاضر.. تنتزع دولة الإمارات المركز الأول من اللاعبين الكبار في كل مشروع تطلقه.. لأنه قيادتها تعشق المركز الأول.. وشعبها لا يرضى إلا بالمركز الأول.. فتجذر هذا الفكر عملاً وتطبيقاً في نفوس أبنائها.. وها هي الإمارات تذهب إلى المريخ بشبابها الفتي الذي يحكي قصة دولة فتية سبقت في إنجازاتها عمرها وعمر دول تفوقها قوة وتاريخاً ونفوذاً، ليصبح نموذج الإمارات الذي شكّك البعض في مدى نجاحه وقابلتيه للتطبيق في البدايات نموذجاً قابلاً للتصدير اليوم، وهو ما ترجمته اتفاقيات التطوير الحكومي بين حكومة الإمارات وعدد من البلدان الصديقة.
ولأن الشيخ محمد بن راشد يؤمن بأن “المستقبل سيكون لمن يستطيع تخيله وتصميمه وتنفيذه .. وقوله: المستقبل لا يُنتظر .. المستقبل يُمكن تصميمه وبناؤه اليوم”، فقد أطلقت الحكومة بتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عدداً من المبادرات وأنشأت عدداً من المؤسسات لتساندها في طريقها نحو تشكيل المستقبل وتحسين جودة حياة المجتمعات، وكلّف سموه معالي محمد عبدالله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء، بالإشراف على المبادرات والمشاريع المتعلقة بالمستقبل منذ 2006 ليتولى معاليه في فبراير 2016 ملف المستقبل ضمن مهامه الوزارية حتى يوليو 2020.
إليكم 11 مبادرة أطلقتها الدولة في مجال استشراف المستقبل
رؤية الإمارات 2021 ومئوية الإمارات
انطلاقاً من نهج القيادة القائم على التخطيط للمستقبل والاستعداد له، أطلقت حكومة الإمارات عدداً من الرؤى والاستراتيجيات الوطنية الاتحادية التي وضعت خطة طريق واضحة لتحقيق عدد من المستهدفات في مجموعة من القطاعات الحيوية لتحقيق الريادة والمنافسة عالمياً.
محمد القرقاوي وعهود الرومي في صورة جماعية مع فريق عمل الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات 2021
في خلوة وزارية عام 2010، أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رؤية الإمارات 2021 وهدفت الرؤية لأن تكون الدولة ضمن أفضل دول العالم بحلول اليوبيل الذهبي للاتحاد في 2021. ولتوجيه الجهود نحو تحقيق رؤية الإمارات2021، أطلق سموه عام 2014 الأجندة الوطنية ومدتها سبع سنوات، وجاءت الأجندة نتيجة لسلسلة من الأعمال حضرها أكثر من 300 مسؤول من 90 جهة حكومية اتحادية ومحلية، وشارك بها أيضاً منظمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، وخبراء من المؤسسات الأكاديمية والبحثية.
وفي 2017، أطلق سموه مئوية الإمارات 2071 في اجتماع مجلس الوزراء والتي تشمل رؤية شاملة وطويلة الأمد تمتد لخمسة عقود، لجعل الإمارات أفضل دولة في العالم بحلول 100 عام على تأسيسها، مُشكّلة خريطة واضحة للعمل الحكومي الطويل المدى، والهادفة لتعزيز سمعة الدولة وقوتها الناعمة. وتم تقسيم المئوية إلى خمس عشريات على أن تكون هناك خطط واستراتيجيات لكل عشر سنوات ما يشمل تقييمها بشكل دوري.
استشراف المستقبل: الحكومة الذكية
للبناء على مشروع الحكومة الإلكترونية الأول من نوعه في المنطقة الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عام 2000 لمواكبة عصر الانترنت، أعلن سموه عن مبادرة الحكومة الذكية عام 2013 لتوفير الخدمات للجمهور أينما كانوا وعلى مدار الساعة عبر جهاز الموبايل.
محمد بن راشد يوجه بتحويل الحكومية إلى ذكية لتوفير الخدمات عبر جهاز الموبايل
وأتى استثمار حكومة دولة الإمارات في التكنولوجيا منذ 20 عاماً والبنية التحتية الرقمية المتطورة بثماره خلال فترة الإغلاق العام التي فرضها فيروس كوفيد-19، حيث استمرت أعمال التعليم والعمل عن بعد بكفاءة تامة.
القمة العالمية للحكومات
بهدف الارتقاء بمستقبل الحكومات لإسعاد “متعامليها” أي شعوبها كما يصفهم محمد القرقاوي، رئيس القمة العالمة للحكومات، وتحسين جودة الخدمات المقدمة لهم، انطلقت القمة العالمية للحكومات في 2013 بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وذلك لاستشراف المستقبل ورصد التحديات ورسم السياسات الخاصة بالتطور والتقدم عالمياً، وكانت حينها تسمى “القمة الحكومية”.
جلسة محمد القرقاوي وإيلون ماسك في القمة العالمية للحكومات 2017
وفي دورتها الرابعة عام 2016 ، حدثت نقطة تحول فارقة في مسيرة القمة ومستوى تأثيرها بل وحتى طبيعة المواضيع والقضايا التي تطرحها حيث وجه سموه بتحويل القمة من حدث عالمي إلى مؤسسة عالمية تعمل على مدار العام وتركز على استشراف المستقبل في كافة القطاعات إضافة لإنتاج المعرفة لحكومات المستقبل وإطلاق التقارير والمؤشرات التنموية العالمية وبناء شراكات مع أهم المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، وجامعة الدول العربية والبنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والمنتدى الاقتصادي العالمي.
وأضحت القمة العالمية للحكومات أكبر تجمع حكومي سنوي عالمي ومنصة دولية لاستشراف مستقبل الحكومات حول العالم وتبادل المعرفة. واستضافت منذ انطلاقها في 2013 أكثر من 25,000 مشارك، وأكثر من 550 خبير، وأكثر من 140 دولة، وأكثر من 950 جلسة ومنتدى.
مؤسسة دبي للمستقبل
أسوة ببيت الحكمة الذي أسسه العرب والمسلمون في القرن التاسع الميلادي ليكون منارة للعلوم ومركزاً للمبتكرين من شتى بقاع الأرض، أطلق حاكم دبي مؤسسة دبي للمستقبل كمؤسسة وقف بحثي مستقلة للإشراف على تنفيذ أجندة دبي المستقبل، بهدف استشراف مستقبل القطاعات الاستراتيجية على المدى متوسط وطويل الأجل، وذلك بالتعاون مع العديد من الجهات والمؤسسات في القطاعين العام والخاص. وقال سموه لدى إطلاق المشروع: “صناعة المستقبل لا تبنى على الاحتمالات والأرقام بقدر ما تبنى على وضوح الرؤية والتخطيط والعمل والتنفيذ.” ويأتي إطلاق المؤسسة في إطار مساهمة دولة الإمارات ودبي في لعب دور محور في صناعة المستقبل والتأثير فيه بدلاً من التأثر به في ظل التغيرات المتسارعة التي تحدثها العلوم والتكنولوجيا في مسار العالم.
وتحت مظلة مؤسسة دبي للمستقبل، تم إطلاق عدد من المبادرات الهادفة لاستشراف المستقبل وفي قلبها التكنولوجيا، بالإضافة إلى توليها الإشراف على عدد من المبادرات، منها: متحف المستقبل، والمسرعات الحكومية، ومركز الإمارات للثورة الصناعية الرابعة، واستراتيجية الطباعة ثلاثية الأبعاد، وجائزة الطائرات بدون طيار لخدمة الإنسان وجائزة الذكاء الاصطناعي ومبادرة “مجلس دبي لمستقبل البلوك تشين” ضمن مبادرة “مجالس دبي المستقبل” وأكاديمية دبي للمستقبل التي أطلقت برنامج دبي لخبراء المستقبل.
وتحت مظلة مؤسسة دبي للمستقبل، تم إطلاق عدد من المبادرات الهادفة لاستشراف المستقبل وفي قلبها التكنولوجيا، بالإضافة إلى توليها الإشراف على عدد من المبادرات، منها: متحف المستقبل، والمسرعات الحكومية، ومركز الإمارات للثورة الصناعية الرابعة، واستراتيجية الطباعة ثلاثية الأبعاد، وجائزة الطائرات بدون طيار لخدمة الإنسان وجائزة الذكاء الاصطناعي ومبادرة “مجلس دبي لمستقبل البلوك تشين” ضمن مبادرة “مجالس دبي المستقبل” وأكاديمية دبي للمستقبل التي أطلقت برنامج دبي لخبراء المستقبل.
التشكيلات الوزارية
عبرت حكومة الإمارات إلى المستقبل من خلال مرونة الحكومة وسرعتها في مواكبة الأولويات الوطنية والاستثمار في الكوادر الإماراتية، واستشراف المستقبل.
وفي 5 يوليو 2020، ومواكبة للمتغيرات العالمية التي أحدثتها جائحة كوفيد-19 على العالم، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن التشكيل الوزاري الجديد في الحكومة وتم ترشيق الحكومة واستحداث حقائب وزارية جديدة، بهدف تعزيز خطى الإمارات في طريق الاقتصاد المعرفي والرقمي الذي سيسود العالم في مرحلة ما بعد “كورونا”.
اجتماع مجلس الوزراء
وتم استحداث منصب وزير دولة للاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي وتطبيقات العمل عن بعد، وإنشاء وزارة للصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، وتعيين رئيس للحكومة الرقمية بدولة الإمارات وتعيين رئيس للأمن السيبراني في حكومة الإمارات في ظل التحديات التي يفرضها التوسع في الاقتصاد الرقمي، وما يرتبط به من تهديدات للأمن السيبراني.
وتم التركيز على ملف الأمن الغذائي، بعد أن كشف هذا الوباء عن خطورة تعطّل سلاسل التوريد من الخارج حيث أكدت القيادة أن الأمن الغذائي سيبقى أولوية عبر وزيرين، هما: وزيرة الدولة للأمن الغذائي ووزير البيئة. كما تم تقليص حجم الحكومة لجعلها أكثر مرونة وقدرة على تأدية دورها المستقبلي وتقديم الخدمات بطرق مبتكرة تحقق سعادة ورفاهية المواطنين، حيث شهد التغيير الحكومي إلغاء 50% من مراكز الخدمة الحكومية وتحويلها لمنصات رقمية خلال عامين، ودمج حوالي 50% من الهيئات الاتحادية مع بعضها أو ضمن وزارات.
وفي 2017، اعتمد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، التشكيل الوزاري الجديد للحكومة الاتحادية في أكتوبر 2017 ووصف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الحكومة الجديدة بأنها حكومة عبور للمئوية الإماراتية الجديدة هدفها تطوير المعرفة، ودعم العلوم والأبحاث وإشراك الشباب في قيادة المسيرة.
وشهد التشكيل الجديد استحداث مناصب وزارية جديدة للتعامل مع مجموعة من الملفات المستقبلية إضافة إلى بعض التعديلات الهيكلية ضمن مسعى الحكومة لتلبية متطلبات المرحلة المقبلة التي تركز على تكنولوجيا ومهارات المستقبل وكوادر الوطن المستقبلية، وتم استحداث 4 مناصب وزارية جديدة وهي: وزير دولة للذكاء الاصطناعي ووزير دولة للتعامل مع ملف العلوم المتقدمة ووزير دولة للتعامل مع ملف الأمن الغذائي. وعندما تفشى فيروس كوفيد-19 وأغلقت حدود الدول ما أدى إلى انقطاع سلاسل الإمداد والتوريد عالمياً، أثبتت رؤية الإمارات الاستشرافية نحو الأمن الغذائي مدى أهميتها أكثر من أي وقت مضى حيث تمكنت الإمارات من توفير كافة احتياجات المقيمين على أرضها بكفاءة من المواد والسلع الغذائية والتموينية، وقامت بإرسال المستلزمات الأساسية مثل الأغذية والأدوية لكثير من الدول.
محمد القرقاوي أول وزير للمستقبل في الإمارات
وشهد عام 2016 تغييرات هيكلية كبرى في الحكومة الاتحادية لتكون حكومة المستقبل حيث شهدت الحكومة دخول 8 وزراء جدد لها 5 منهم من النساء وحينها بلغ متوسط أعمار الوزراء الجدد 38 عاماً، وكانت أصغر وزيرة بعمر 22 عاماً. كما شهدت الحكومة الجديدة إضافة وزراء للتسامح والمستقبل والشباب والسعادة والتغير المناخي ورفد قطاع التعليم بوزيرين جدد وتشكيل مجلس أعلى للتعليم بالإضافة لتشكيل مجلس للشباب ومجلس لعلماء الإمارات.
استراتيجية الإمارات لاستشراف المستقبل
في التشكيل الوزاري الجديد لدولة الإمارات لعام 2016، والذي أعلن عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في “تويتر”، تم تكليف وزارة شؤون مجلس الوزراء بمهمة استشراف المستقبل، وأصبحت تسمى “وزارة شؤون مجلس الوزراء والمستقبل” وأضيف ملف المستقبل إلى مهام معالي محمد القرقاي الوزارية حيث كلفه سموه بوضع استراتيجية وطنية للتأكد من مواكبة الحكومة وكافة القطاعات لمتغيرات المستقبل.
وزير المستقبل مع الروبوت”ANYMAL” الذي عرض في القمة العالمية للحكومات 2019 ويستخدم في المهمات الخطرة لأغراض التفتيش الصناعي في المحيطات وأماكن الطاقة والغاز
وتهدف “استراتيجية الإمارات لاستشراف المستقبل” إلى بناء نماذج مستقبلية للقطاعات الصحية والتعليمية والاجتماعية والتنموية والبيئية ومواءمة السياسات الحكومية الحالية بالإضافة لبناء قدرات وطنية في مجال استشراف المستقبل وعقد شراكات دولية وتطوير مختبرات تخصصية وإطلاق تقارير بحثية حول مستقبل مختلف القطاعات في الدولة.
وتشمل الاستراتيجية بناء نماذج مستقبلية للقطاعات الصحية والتعليمية والاجتماعية والتنموية والبيئية ومواءمة السياسات الحكومية الحالية بالإضافة لبناء قدرات وطنية في مجال استشراف المستقبل وعقد شراكات دولية وتطوير مختبرات تخصصية وإطلاق تقارير بحثية حول مستقبل مختلف القطاعات في الدولة.
مجالس المستقبل العالمية
منذ عام 2016، تنظم حكومة الإمارات بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس”، فعاليات “مجالس المستقبل العالمية” التي تضم 50 مجلساً متخصصاً لاستشراف مستقبل العالم في مجموعة من القطاعات التنموية والعلمية والاقتصادية والسياسية، بمشاركة 700 متخصص وخبير بهدف وضع أجندة مستقبلية واضحة للعديد من التحديات التي يشهدها العالم اليوم، ومحاولة توقع المسار المستقبلي للعديد من الثورات والتغيرات التكنولوجية والعلمي. بدأت المجالس في باكورة انطلاقها في 2008 كـ “مجالس الأجندة العالمية.”
وفي دورة 2016، تحولت مجالس الأجندة العالمية إلى مجالس المستقبل العالمية، لتساهم من دبي في تحديد ووضع أجندة المنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس” المقبلة، التي تضم أهم 2000 شخصية قيادية عالمية. وتتناول مجالس المستقبل العالمية الثورة الصناعية الرابعة وتستشرف مستقبلها في سياق وضع الحلول لمعالجة تحدياتها المختلفة، ومواكبة التغييرات المتوقعة في مختلف الصعد، بما في ذلك التقدم التقني بمختلف قطاعات الابتكار، مثل الطاقة والنقل والبنية التحتية والذكاء الاصطناعي، وغيرها من القطاعات الحيوية.
استكشاف الفضاء
كان للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “رحمه الله” طموح كبير نحو قطاع الفضاء وأيقن في سبعينيات القرن الماضي أن دولة الإمارات قادرة على أن تحفر بصمات فارقة ليس في الأرض فقط ولكن في السماء. وأرسى زايد أولى الخطوات في هذا المجال في 8 نوفمبر 1975 عندما افتتح المحطة الأرضية للاتصال بالأقمار الصناعية في منطقة جبل علي في دبي.
الشيخ زايد أثناء لقائه بعالم الفضاء العربي فاروق الباز وفريق من وكالة «ناسا» في 12 مارس 1967
وفي رحلة دولة الإمارات التنموية، أولت القيادة اهتماماً كبيراً بقطاع الفضاء فتوالت المبادرات، منها: البرنامج الوطني للفضاء الذي أطلق في 2017 بهدف بناء كوادر إماراتية تخصصية في علوم الفضاء والإسهام في رحلة البشرية نحو الفضاء، ويتضمن البرنامج إعداد رواد فضاء إماراتيين، وخطة لمئة عام تهدف إلى بناء أول مستوطنة بشرية على الكوكب الأحمر بحلول 2117، والوصول بمسبار الأمل الإماراتي إلى كوكب المريخ في عام 2021 تزامناً مع الذكرى الخمسين لقيام دولة الإمارات.
وفي مارس 2019، أطلقت حكومة دولة الإمارات الاستراتيجية الوطنية للفضاء 2030 والتي تعتبر المرجع الوطني للمبادرات ذات الأولوية للجهات المعنية، والمؤسسات العاملة بالقطاع الفضائي. وتختص وكالة الإمارات للفضاء بمتابعة تنفيذ الاستراتيجية بالتعاون مع الشركاء الاستراتيجيين.
وبعد 50 عاماً، تحقق حلم زايد بوصول هزاع المنصوري أول رائد فضاء إماراتي وعربي إلى محطة الفضاء الدولية في سبتمبر 2019 ونجاح إطلاق مسبار الأمل وصوله للكوكب الأحمر في فبراير 2021.
مبادرة التصميم الحكومي
كان مؤسسو دولة الإمارات مصممين، وقامت الدولة على منهجية التصميم، ومن هذا المبدأ، فقد أطلقت حكومة دولة الإمارات في 2019 مبادرة «التصميم الحكومي» الأولى من نوعها على مستوى الحكومات التي تمثل منهجية جديدة في العمل الحكومي تتبنى مبادئ التفكير التصميمي الذي يركز على تطلعات المجتمع واحتياجات أفراده، وتعزيز ثقافة التصميم في تطوير وإطلاق مبادرات وسياسات وبرامج تركز على الإنسان وتفعيل دوره الاجتماعي والاقتصادي، وصولاً إلى تحقيق مستهدفات “مئوية الإمارات 2071.”
محمد بن راشد يتوسط الدفعة الأولى من الرؤساء التنفيذيين للتصميم الحكومي
وتعمل المبادرة عبر برنامج تدريبي على تخريج رؤساء تنفيذين للتصميم الحكومي في كل وزارة بهدف صنع التغيير في العمل الحكومي، من خلال تبني رؤية ملهمة ومبدعة لفرق العمل، واستكشاف فرص التحسين وتعزيز التعاون والتكامل بين الجهات، وبناء قدرات فرق العمل وتمكينهم من تبني التصميم الذي يعتمد رؤى وتطلعات المجتمع لتطوير منظومة العمل الحكومي بما يضمن تحقيق مستهدفات “مئوية الإمارات 2071”.
استشراف مستقبل الطاقة المتجددة
كانت دولة الإمارات من أوائل الدول في المنطقة التي استشرفت مستقبل الطاقة المتجددة باعتبارها ركيزة أساسية من ركائز المستقبل وأحد الأولويات الاستراتيجية لدولة الإمارات العربية المتحدة استعداداً لتوديع آخر برميل نفط في 2050.
وأحد المشروعات الهامة في هذا الاتجاه مشروع محطة براكة للطاقة النووية الذي تنفذه شركة نواة للطاقة التابعة لمؤسسة الإمارات للطاقة النووية وتم تشغيل أول مفاعلاته السلمية بنجاح في الأول من أغسطس 2020، لتدخل الإمارات النادي النووي حيث سيوفر المشروع عند اكتمال تشغيل محطاته الأربع 25% من احتياجات دولة الإمارات من الطاقة، وسيسهم في خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بما يعادل رفع 3.2 ملايين سيارة من الطرق.
مفاعل براكة للطاقة النووية السلمية
وفي 2012، أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مشروع “مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية”، بتكلفة استثمارية تصل إلى 12 مليار درهم. ويعتبر المجمع المشروع الأكبر من نوعه في منطقة الخليج، وتصل قدرته التشغيلية إلى 1000 ميجاواط بحلول عام 2030. ومن المتوقع أن تكون المرحلة الرابعة من المجمع أكبر مشروعات تخزين الطاقة على مستوى العالم لمدة 15 ساعة ما يسمح بتوافر الطاقة النظيفة على مدار الساعة لنحو 320,000 مسكن مع خفض 1.6 مليون طن من الانبعاثات الكربونية سنويا.
منصة ذكية شاملة لأدوات استشراف المستقبل
في 2017، أطلقت حكومة دولة الإمارات منصة إلكترونية تفاعلية ذكية لاستشراف المستقبل، في خطوة هادفة إلى دعم جهود نشر ثقافة الاستشراف، وتعزيز الوعي بالفكر المستقبلي وأهميته في الاستعداد للتحديات والمتغيرات المتوقعة، وتوفير المحتوى العلمي والدراسات، وإتاحته أمام جميع المهتمين والمعنيين.
وتهدف منصة الإمارات لاستشراف المستقبل إلى أن تكون مرجعاً لتوثيق جهود الإمارات في استشراف المستقبل، وبناء القدرات الوطنية وترسيخ ثقافة استشراف المستقبل لديها من خلال توفير الموارد التي تصقل الخبرات وتحفزها لتحويلها إلى مهارات أساسية في العمل الحكومي اليومي لمواكبة التغيرات وتشكيل الفرص واستباق التحديات.